فصل: الخبر عن حركة السلطان أبي سعيد إلى تلمسان أولى حركاته إليها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن حركة السلطان أبي سعيد إلى تلمسان أولى حركاته إليها:

لما خرج عبد الحق بن عثمان على السلطان أبي الربيع وتغلب على تازى بمظاهرة الحسن بن علي بن أبي الطلاق كبير بني عسكر واختلف رسلهم إلى أبي جمو موسى بن عثمان سلطان بني عبد الواد اسف ذلك بنى مرين وحرك من إحنهم ولما لحق الخارجون على الدولة بالسلطان أبي حمو وأقبل عليهم أضرم ذلك حقد بني مرين وولى السلطان أبو سعيد الأمر وفي أنفسهم من بني عبد الواد غصة فلما استوسق أمر السلطان ودوخ الجهات المراكشية وعقد على البلاد الأندلسية وفرغ من شأن المغرب اعزم كل غزو تلمسان فنهض إليه سنة أربع عشرة وسبعمائة ولما انتهى إلى وادي ملوية قدم ابنيه أبا الحسن وأبا علي في عسكرين عظيمين في الجناحين وسار في ساقتهما ودخل بلاد بنى عبد الواد كل هذه التعبية فاكتسح نواحيها واصطلم نعمها ونازل وجدة فقاتلها قتالا شديدا وامتنعت عليه ثم نهض إلى تلمسان فنزل بالملعب من ساحتها وانحجر موسى بن عثمان من وراء أسوارها وغلب على معاقلها ورعاياها وسائر ضواحيها فحطمها حطما ونسف جهاتها نسفا ودوخ جبال بني يرناسن وفتح معاقلها وأثخن فيها وانتهى إلى وجدة وكان معه في معسكره أخوه يعيش بن يعقوب وقد أدركته بعض استرابة بأمره ففر إلى تلمسان ونزل على أبي حمو ورجع السلطان على تعبيته إلى تازى فأقام بها وبعث ابنه الأمير أبا علي إلى فاس فكان من خروجه على أبيه ما نذكر إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن انتقاض الأمير أبي علي وما كان بينه وبين أبيه من الواقعات:

كان للسلطان أبي سعيد اثنان من الولد أكبرهما لأمته الحبشية وهو علي والأصغر لمملوكة من سبي النصارى وهو عمر وكان هذا الأصغر آثرهما لديه وأعلقهما بقلبه منذ نشأ فكان عليه حدبا وبه مشغوفا ولما استولى على ملك المغرب رشحه بولاية عهده وهو شاب لم يطر شاربه ووضع له ألقاب الإمارة وصير معه الجلساء والخاصة والكتاب وأمره باتخاذ العلامة في كتبه وعقد على وزارته لإبراهيم بن عيسى اليرنياني من صنائع دولتهم وكبار المرشحين بها ولما رآه أخوه الأكبر أبو الحسن صاغية أبيه الله وكان شديد البرور بوالديه انحاش إليه وصار في جملته وخلط نفسه بحاشيته طاعة لأبيه واستمرت حال الأمير أبي علي على هذا وخاطبه الملوك من النواحي وخاطبهم وهادوه وعقد الرايات واثبت في الديوان ومحا وزاد في العطاء ونقص وكاد أن يستبد ولما قفل السلطان أبو سعيد من غزاته إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة أقام بتازى وبعث ولديه إلى فاس فلما استقر الأمير أبو علي بفاس حدثته نفسه بالاستبداد على أبيه وخلعه وراوضه المداخلون له في المكر بالسلطان حتى يتقبض عليه فأبي وبعث الخلاف إلى وجاهر بالخلعان ودعا لنفسه فأطاعه الناس لما كان السلطان جعل إليه من أمرهم وعسكر بساحة البلد الجديد يريد غزو السلطان فبرز من تازى بعسكره يقدم رجلا ويؤخر أخرى.
ثم بدا للأمير أبي علي في شأن وزيره وحدثته نفسه بالتقبض عليه استرابة به لما كان بلغه من المكاتبة بينه وبين السلطان فبعث لذلك عمر بن يخلف الفردودي وتفطن الوزير لما حاوله من المكر فتقبض عليه ونزع إلى السلطان أبي سعيد فتقبله ورضي عنه وارتحل إلى لقاء ابنه ولما تراءى الجمعان بالقرمدة ما بين فاس وتازى واختل مصاف السلطان وانهزم عسكره وأفلت بعد أن أصابته جراحه في يده وهن لها ولحق بتازى فليلا جريحا ولحق به ابنه الأمير أبو الحسن نازعا إليه من جملة أخيه أبي علي بعد المحنة وفاء لحق أبيه فاستبشر السلطان بالظهور والفتح وحمد المغبة وأناخ الأمير أبو علي بعساكره على تازى وسعى الخواص بين السلطان وابنه في الصلح على أن يخرج له السلطان عن الأمر وبقتصر على تازى وجهاتها فتم ذلك بينهما وانعقد وشهد الملأ من مشيخة العرب وزناتة وأهل الأمصار واستحيهم عقده وانكفأ الأمير أبو علي إلى حضرة فاس مملكا وتوافت إليه بيعات الأمصار بالمغرب ووفودهم واستوسق أمره.
ثم اعتل على أثر ذلك واشتد وجعه وصار إلى حال الموت وخشي الناس على أنفسهم تلاشى الأمر بمهلكه فسايلوا إلى السلطان بتازى ثم نزع على الأمير أبي علي وزيره أبو بكر بن النوار وكاتبه منديل بن محمد الكتاني وسائر خواصه ولحقوا بالسلطان وحملوه على تلافى الأمر فنهض من تازى واجتمع إليه كافة بني مرين والجند وعسكر على البلد الجديد وأقام محاصرا لها وابتنى دارا لسكناه وجعل لابنه الأمير أبي الحسن ما كان لأخيه أبي علي من ولاية العهد وتفويض الأمر.
وتفرد أبو علي بطائفة من النصارى المستخدمين بدولتهم كان قائدهم يمت إليه بخؤولة وضبط البلد مدة مرضه حتى إذا أفاق وتبين اختلال أمره بعث إلى أبيه في الصفح والرضى وأن ينزل له عما انتزى عليه من الأمر على أن يقطعه سجلماسة وما إليها ويسوغه ما احتمل من المال والذخيرة من دراهم فأجابه لذلك وانعقد بينهما سنة خمس عشرة وسبعمائة وخرج الأمير أبو علي بخاصته وحشمه وعسكر بالزيتون من ظاهر البلد ووفى له السلطان بما اشترط وارتحل إلى سجلماسة ودخل السلطان إلى البلد الجديد ونزل بقصره وأصلح شؤون ملكه وأنزل ابنه الأمير أبا الحسن بالدار البيضاء من قصوره وفوض إليه في سلطانه تفويض الاستقلال وأذن له في اتخاذ الوزراء والكتاب ووضع العلامة على كتبه وسائر ما كان لأخيه ووفدت إليه بيعات الأمصار بالمغرب ورجعوا إلى طاعته ونزل الأمير أبو علي بسجلماسة فأقام بها ملكا ودون الدواوين واستلحق واستركب وفرض العطاء واستخدم ظواعن العرب من المعقل وافتتح معاقل الصحراء وقصور تاورت وتيكورارين وتمنطيت وغزا بلاد السوس فافتتحها وتغلب على ضواحيها وأثخن في أعرابها من ذوي حسان والشبانات وزكنة حتى استقاموا على طاعته.
وبيت عبد الرحمن بن يدر أمير الأنصار بالسوس في تارودانت مقره فافتتحها عليه عنوة وقتله واصطلم نعمته وأباد سلطانه وأقام لبني مرين في بلاد القبلة ملكا وسلطانا وانتقض على السلطان سنة عشرين وسبعمائة وتغلب على درعة وسما إلى طلب مراكش فعقد السلطان على حربه لأخيه الأمير أبي الحسن وجعله إليه وأغزاه ونهض على أثره واعتل بمراكش وثقف أطرافها وحسم عللها وعقد عليها لكندوز بن عثمان من صنائع دولتهم وقفل بعساكره إلى الحضرة ثم نهض الأمير أبو علي سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بجموعه من سجلماسة وأغذ السير إلى مراكش فاختلفت عساكره بها قبل أن يجتمع لكندوز أمره فتقبض عليه وضرب عنقه ورفعه على القناة وملك مراكش وسائر ضواحيها وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من حضرته في عساكره بعد أن احتشد وأزاح العلل واستوفى الأعطيات وقدم بين يديه ابنه الأمير أبا الحسن ولي عهده الغالب على أمر في عساكره وجموعه وجاء في ساقته وسار على هذه التعبية ولما انتهى إلى بوبو من وادي ملوية نذروا بالبيات من أبي على وجنوده فحذروهم وأيقظوا ليلتهم وبيتهم بمعسكرهم ذلك فكانت الدبرة عليه وفل عسكره وارتحلوا من الغد في أثره وسلك على جبال درن وافترقت جنوده في أوعاره ولحقهم من معراتها شناعات حتى ترجل الأمير أبو علي عن فرسه وسعى على قدميه وخلص من ورطة ذلك الجبل بعد عصب الريق ولحق بسجلماسة ومهد السلطان نواحي مراكش وعقد عليها لموسى بن علي بن عمد الهنتاتي فعظم غناؤه في ذلك واضطلاعه وامتدت أيام ولايته وارتحل السلطان إلى سجلماسة فدافعه الأمير أبو علي بالخضوع في الصفح والرضا والعودة إلى السلم فأجابه السلطان لما كان شغفه من حبه فقد كان يؤثر عنه من ذلك غرائب ورجع إلى الحضرة وأقام الأمير أبو علي بمكانه من ملك القبلة إلى أن هلك السلطان وتغلب عليه أخوه السلطان أبو الحسن كما نذكره إن شاء الله تعالى.